recent
اخر الاخبار

جيل "زاد" الله في المطالب..جنازة حكومة وسياسة وأحزاب

Home

  

أحمد الجـَــــلالي

إذا كنت لا تشم هذه الأيام رائحة أجواء عشرين فبراير، وبعضا من نسمات 2011 ، فراجع الطبيب فورا لأنك حتما مصاب بزكام حجب على خيشومك حاسة الشم فلم تستطلع بأنفك الأفطس أو المعقوف أو النافر كالحصان، ما يجري على يد "جيل زاد 212".  

أرض المغرب العربي ــ الأمازيغي تتحدث خلال هذه الأيام حرف "الزاي"، فلا صوت يعلو على صوت شباب "جيل الزاي". الشوارع "تزوي" بالمطالب الشعبية في حين الحكومة ورئيسها "عزيز" الذي يتكون اسمه من "زايين"، قاطعان "الزي".



ولأن الأبجدية اللاتينية في معظمها تبدأ بالألف وتنتهي بالزاي (   ) فإن هذا الجيل المغربي المولع بتعبير " من لخر" اختار آخر حرف أبجدي ونسب نفسه إليه ولسان أحواله يقول لأصحاب الحل والعقد: لا نريد كلاما، هاتوا حقوقنا المادية الملموسة: العمل والصحة والتعليم (مع بهارات إسقاط الفساد وتحقيق مطلب قضاء نزيه).

وهذا الجيل بقدر وضوحه المطلبي فهو لا تتريب عليه بخصوص غياب أية رومانسية سياسية أوآيديولوجية في خطابه ونمط حياته، لأنه نتاج خالص لحقبة غابت فيها السياسة والشعر والفن وكل ما يجعلهم يشبهون أجيال الآباء والأجداد.

وهؤلاء "الزاياويون الصغار" إن لم يعجب منظرهم الدولة والمخزن والسلطات وكل ألوان مراكز القوة في البلاد فلا يلومون إلا أنفسهم وليسألوا ذواتهم ماذا كانوا يصنعون وبماذا كانوا مشغولين حينما كان هذا الجيل من الأطفال يتشكل.

هل تذكرون بما صدح آلاف الأطفال قبل بضع سنوات أمام البرلمان احتجاجا على الساعة "المسخوطة" اللقيطة الإضافية؟ هتفوا من أمام البرلمان بشارع محمد الخامس شاتمين المشرعين، ناعتين إياهم بأبناء القاف وربما استخدموا الزاي في قرارة أنفسهم أيضا.

ينظر بعض المغاربة وربما كانوا كثرا إلى هذه الناشئة وكأنها فتات نيازك سقطت على رؤوسهم هذا "الويكند" على حين غرة، مثلما راح بعض "الفهامة" إلى استقصاء طبيعة "السيرفر" الذي يصدرون منه خطابهم وينسقون تحركاتهم.

والحال أن الأمر بسيط: هؤلاء الذين يخيفون قوى قمع الشغب اليوم أكبرهم كان سنة 2011 ، أيام الربيع العربي، لم يلتحق بعد بالصف الابتدائي، هم أحفاد المغاربة الذين في عقدهم الخامس أو السادس. هم التعبير الفاضح الواضح عن متحورات المطالب الشعبية العادلة والبسيطة، والتي رددها اليسار واليمين والوسط على مدار عقود ولم يصغ إليها أحد.

المحرج في ما يحصل اليوم هو تلك المؤشرات العارية، من صميم شارع غاضب وعار من كل مساحيق ركوب الموجات، ومن ذلك:

ــ الزاديون الذين يبحثون عن ضمانات من الدولة تكون زادا في مستقبل آمن، لا يحتاجون أحزابا ولا نقابات لتؤطرهم، فهم من عالم لا يعرف "موخاريق" ولا أخنوش ولا بنكيران ولا العنصر ولا أوزين ولا بنعبدالله..هم من الشعب والشعب بالفطرة "ماشي وعارف طريقو"، وبهذا فهم يدفنون هياكل صدئة ومسموسة إسمها إطارات نقابية وسياسية تخلت عن دورها فانتحرت بكل طواعية.

ــ الصغار في السن، الكبار في التحرك والدلالة، سلميون وقد أحرج وعيهم وحسن سلوكهم كل من يتمنى انفلاتهم إما ليركب على العنف فيقضي حاجة في نفسهم أو ليبحث عن دور تجاوزته الأحداث والوقائع.

ــ مثلما واصل المغرب طريقهم لأزيد من نصف سنة في تجربة "البلوكاج" بلا أدنى حاجة للحكومة أو من يمثلها، يسير جيل الزاي في طريقه رافعا لافتات مطالبه دون الحاجة إلى فصاحة السياسي ولا أوداج المهرج النقابي.

 والجميل في كل هذا أن تآكل الكائن السياسي والنقابي ألغى الوسطاء والسماسرة بين الشعب ومن يحكمونه حقا، رغما مزايا وجود "بارشوك" وطني حقيقي يمتص الصدمات ويترك حاجزا رفيعا من الوقار بين القمة والقاعدة. ولكن هذا هو الواقع اليوم..والله غالب على أمره.

وعند تأمل هذا الحراك المتصاعد في سلاسة رغم التوقيفات والاعتقالات يحق لكل مغربي أن يقرأ "ياسين" على الانتخابات المقبلة، إذ لم يعد لهذا الدوري من فرق سياسية تتبارى فيه حول كأس الديموقراطية الموعودة (على أساس أننا اتفقنا أعلاه على موت السياسة ودفن الحزبية".

نعود لحرف الزاي. بعيدا عن أية قراءة موروفولوجية لوجه دارجتنا المترع بالندوب والكدمات فإن هذا الحرف شكل في مخيلة مواليد الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات مؤشرا على ارتفاع الحرارة كما استخدم في مفردات ذات صلة بخصوصية الذكر والأنثى.

وعند الأحفاد الزائيين هؤلاء فهذا الحرف الجبار له امتدادات إلى كل ما يرمز ويعني وصل السيول إلى "الزبى":

ــ زلاغ..الذي طلع إلى رؤوس جييل لا يملك منسوب الصبر الذي تعول عليه الدولة وكل حكوماتها.

ــ الزعاف، ابن عم زلاغ، صعد إلى قمة رؤوس أبناء هذه الألفية الثالثة وقد ولدوا وعيونهم مشدودة إلى شاشات العالم وليس لأحد الحق في منعهم من الحلم بالعيش عند الحد الأدنى مما يتوفر لابناء وبنات شعوب أخرى.

ــ الزمر..السياسي والحكومي والتدبيري والإعلامي والاقتصادي..لم يعد لهم طاقة لتحمل عبث العابثين فيه وبه وقد طفح كيلهم فخرجوا وليس في القلوب وجل.

ــ الزبل...وما أكثر أزبال بلادي، بدءا بأكوام وجبال القمامة في كل زقاق وصولا إلى أزبال الفساد، وليس لهذا الجيل صاحب "ملخر" رغبة في التعايش مع "ازبيلات" ( أنا من سك هذا المصطلح واربطوه باسمي في محركات البحث وسوف ترون).

الحاصول، فكها يا من وحلتها..أو نظفها يا من زبلتها، وهي لعمري من زمات "زبُلت" بعد أن هزلت.

  

google-playkhamsatmostaqltradent